مر قبل يومين ذكرى رحيل عبدالحليم حافظ، فتذكرت هذا اللقاء الذى حدث بالمطار بالصدفة فى مهرجان (الجونة) السينمائى، كنت عائدا قبل بضعة أشهر من المهرجان، وكانت أيضا أصالة وزوجها المخرج طارق العريان فى رحلة العودة، سألتها كنت أعلم قبل نحو 20 عاما أن هناك اتصالات بينك وبين الموسيقار الكبير كمال الطويل، لكى تُغنى آخر ألحانه لعبدالحليم حافظ، الأغنية التى كتبها عبدالرحمن الأبنودى ورحل قبل تقديمها ومطلعها (ولا كل من ضحكت عنيه عاشق/ ولا كل من فرد الإيدين مشتاق)، ترددت أسماء عديدة رشحتها الصحافة لتقديم اللحن، بل إن مطربا كويتيا شهيرا عرض على الملحن زياد الطويل تحديد المبلغ الذى يريده لتقديم الأغنية، ولكن زياد لم يتحمس، لأنه وجد أن اللهجة هنا تلعب دورًا حيويًا فى توصيل اللحن، وكان هذا هو أيضًا رأى شاعر الأغنية عبدالرحمن الأبنودى، وهذا ما لا يمكن قطعا لو كان الطويل (الأب) على قيد الحياة التفريط فيه.
أصالة كانت هى الصوت الذى اختاره الطويل، كان الطويل يتابع الجميع، حتى لو لم يكن فى خطته تقديم ألحان جديدة، الطويل ظل حتى اللحظات الأخيرة، وبرغم كل النجاح الطاغى الذى حققته ألحانه، يتعامل بروح الهواية، الموجى رفيق مشوار الطويل مثلا، كان يصحو من النوم ممسكا بالعود ليقدم أغنية جديدة، الطويل لا يقترب من العود أو البيانو، إلا وهناك إلحاح طاغ يسيطر عليه لكى يضع جملة موسيقية.
سألتها لماذا توقف فجأة مشروع الأغنية؟ أجابتنى الأستاذ كمال الطويل فى البروفات الأولى قال لها أريدك ن تغنى مثل سعاد حسنى يقصد ببساطة سعاد، فقالت له أنا يا أستاذ أصالة مش سعاد؟
قلت لها هل اللحن حتى الآن لا يزال عصريا، أجابتنى كل ألحان الطويل عصرية، وهذا اللحن تحديدا يملك القدرة على التواصل مع جمهور هذا الزمن.
قلت لها هل ستغنيها كما أردت بأسلوب أصالة أم سعاد حسنى؟ قالت لى أكيد أنا أيضا تغيرت حتى فى منهجى الغنائى، سأغنيها كما أراد الأستاذ كمال الطويل ببساطة سعاد، لأن اللحن يفرض ذلك، يجب أن أكون أمينة مع نفسى ومع الأستاذ الذى من حقه أن يحدد ملامح اللحن وأسلوب الأداء، وأضافت: أفكر جديا فى تقديم الأغنية للناس هذا الموسم.
اللحن قطعا ابن الزمن الذى يعيشه، وينجح عندما نُقدمه فى اللحظة التى ولد فيها، ولكن بعد مرور أكثر من أربعين عاما، هل يظل اللحن محتفظا بنبض الزمن؟!
لم أستمع إلى اللحن برغم اقترابى الشخصى من الأستاذ كمال الطويل، حيث إنه توج ذلك بتسجيل لقاء معى مدته 18 ساعة، يروى فيه تاريخ حياته وترك لى حرية التصرف، وحرصت بعد رحيله على أن أودعه فى خزينة ابنه زياد.
طبعا تظل قيمة اللحن فى ندرته تصلح فقط كنقطة بداية، ما بعد الندرة هو الأهم، حماس أصالة لأداء اللحن حتى إنها تذكرت جزءا منه ونحن معا فى المطار، أشعرنى أنه لا يزال يسكنها، وتلك دلالة على أنه يملك نبض ووهج الحياة، أكيد ستسعد أرواح الثلاثة العمالقة عبدالحليم والأبنودى والطويل أن نستمع لصوت أصالة وهى تردد (ولا كل من ضحكت عنيه عاشق).