تفتتح مساء اليوم الدورة 28 من مهرجان قرطاج، أقدم مهرجان عربى وأفريقى بدأ عام 1966، مهرجان القاهرة 1976، بالفيلم الفلسطينى (الكتابة على الثلج) للمخرج رشيد مشهراوى ويشارك فى بطولة الفيلم عمرو واكد، ومن سوريا غسان مسعود، كما أن لنا فى المسابقة الرسمية للمهرجان (الشيخ جاكسون) للمخرج عمرو سلامة وبطولة أحمد الفيشاوى وأحمد مالك ودُرة، وخارج المسابقة (أخضر يابس) للمخرج محمد حماد، بينما فى مهرجان القاهرة الذى يفتتح يوم 21 الجارى لن تجد بين فعالياته أى تواجد يُذكر للسينما المصرية.
(لو كان الأمر أمرى لو كان فيه شىء بيدى)، على رأى محرم فؤاد، لكان من المؤكد أن أول ندوة سأحرص على تواجدها بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، تحمل عنوان «السر وراء غياب الفيلم المصرى لأول مرة بعد 39 عاما»، لأن هذا السؤال سيحير حتما ضيوف القاهرة.
لم يحدث طوال تاريخ المهرجان العريق أن غابت السينما المصرية عن الحضور، لا نحصل على جائزة فى ختام المهرجان ممكن طبعا، ولكن أن نغيب عن الفعاليات الرسمية فتلك هى السابقة الأولى، بل سأزيدكم من الشعر بيتا، وأقول إنه لم يحدث فى أى مهرجان عالمى أن غابت سينما البلد المضيف صاحب الأرض عن التواجد فى مسابقته الرسمية، ولكن مجبر (مهرجانك) لا بطل.
الفيلم يتواجد لأنه يُعبر عن قيمة، ولهذا كان ينبغى أن نغيب لأن إدارة المهرجان لم تعثر على الفيلم الذى يحمل الحدود الدنيا لتمثيل السينما المصرية، وهو قرار قاس جدا؛ فأنت أمام خيارين أحلاهما مُر، إما أن تعرض فيلما مصريا وأنت غير راض عن مستواه الفنى تماما، أو تُشهر إفلاسك علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
بدون الدخول فى تفاصيل عمن كان يريد أن يعرض لمجرد أن نتواجد، ومن انحاز أكثر لمبدأ عدم العرض، فلا يوجد أبدا منطق ولا مبرر ولا حتى أخلاقيات مهنة الصحافة تسمح بذكر كل تفاصيل المناقشات التى تتم فى دوائر مغلقة، إلا أن قرار عدم العرض- وتلك بالمناسبة قناعتى الشخصية- هو الأفضل رغم مرارة اتخاذ القرار، ولهذا كان ينبغى أن يواكب ذلك ندوة موسعة، لأن ضيوف المهرجان سيتساءلون عن السر.
سوف يستمر المشهد فى الدورات القادمة، وكأنه (كادر) ثابت يتكرر، ولن يتغير الموقف، سيصبح المهرجان رهن معادلة دائمة، وهو أن الفيلم الهام والجدير بالمشاركة لن تُصبح وجهته الأولى (القاهرة)، إلا إذا؟!.
فى الماضى أعنى السنوات الـ14 الأخيرة، كان أغلب السينمائيين يفضلون انتظار (دبى) الذى عادة تنطلق فعالياته بعد (القاهرة) بنحو أسبوع أو اثنين، وهم لا يعلنون صراحة ذلك، بل الحجة التى يتم تصديرها أنهم لديهم بعض تفاصيل متعلقة بتركيب الموسيقى أو إنهاء (الكمبيوتر جرافيك) تحتاج بعض الوقت لإعداد النسخة النهائية الصالحة للعرض، ولهذا لن يلحقوا بموعد (القاهرة) ليعرضوا فى (دبى)، ومع بزوغ مهرجان (الجونة) فى طبعته الأولى وموعده نهاية سبتمبر أى قبل (القاهرة) بنحو شهرين، صار العرض الجماهيرى الذى يسبق مهرجان القاهرة هو السبب المعلن، ولأن مهرجان القاهرة تحكمه معايير فهو تحت مظلة الاتحاد العالمى للمنتجين، وبالتالى لا يجوز له عرض فيلم سبق عرضه فى مهرجان آخر أو عُرض جماهيريا قبل افتتاح المهرجان، ليصبح مهرجان (القاهرة) خارج نطاق الخدمة!!
الأزمة ممتدة وستزداد ولا أستطيع أن أقول لسينمائى مصرى انتظر مهرجان القاهرة أو ضحِّ من أجله، هذا المنطق ليس له أى معنى فى الحقيقة.
الفيلم المصرى المشارك فى (الجونة) أو (دبى) يظل يحمل الجنسية المصرية، وهذا هو ما قلته بالتحديد فى العام الماضى للمخرج محمد حماد وكان فيلمه (أخضر يابس) مرشحا لتمثيل مصر فى مهرجان (القاهرة)، ولكن جاءه تأكيد من (دبى) أن فيلمه سيشارك رسميا، فذهب إلى هناك، حيث إن الجوائز أيضا لها قيمة مادية، وبالفعل حصل حماد على جائزة أفضل مخرج والجائزة تحمل اسم مصر. تواجدنا خارج الحدود بأفلام مصرية لصالحنا ولكن كيف نجد حلا لمهرجان القاهرة؟ هذا هو السؤال!.
لدينا مسابقة عربية موازية وهى خارج هيمنة الاتحاد الدولى للمنتجين، وبالتالى نحن نملك وضع اللائحة، الحل يكمن فى أن يتم إضافة جوائز مالية ضخمة لكل الأفلام العربية المشاركة فيها، وأن يفتح الباب لأى فيلم عربى (مصرى أو غير مصرى) للمشاركة، فى هذه الحالة ستأتى الأفلام العربية بنسبة أكبر إلى المهرجان ويعرض منها ما هو ملائم فى المسابقة الرسمية، وفى نفس الوقت تُصبح لها فرصة ثانية فى الحصول على جائزة مالية فى مسابقة (أفضل فيلم عربى).
يجب أن نُدرك أن القيمة الأدبية للحصول على (الهرم الذهبى) كجائزة معنوية لم تعد كافية، مثل من يعتقد أن النجم العالمى يأتى إلى مصر من أجل زيارة الأهرام وأبى الهول، وأن من يشرب من نهر النيل سيعود حتما لكى يشرب مجددا. الحقيقة أن النجوم العالميين سيشربون من ماء النيل فى حالة واحدة، لو ضمنوا أن الكوب من ذهب، وسيحتفظون به بعد عودتهم لبلادهم.
قرار عدم عرض فيلم مصرى فى مهرجان القاهرة، هو أشجع قرار اتخذته إدارة المهرجان، رغم أنها ولا شك فضيحة سينمائية، لأن البديل هو أن يعرض المهرجان فيلما متواضعا، فتصبح فضيحة بجلاجل، إدارة المهرجان كانت مجبرة على اختيار فضيحة بلا جلاجل!!