ما الذى يعنيه أن أفغانستان احتلت المركز الأول فى التحرش، مصر ولا فخر فى المركز الثانى، التزمت والقسوة وفرض الرأى الذى يتدثر عنوة بالدين على الشارع لن يؤدى إلا لمزيد من الانفلات.
البعض يعترض على البنطلون المقطع الذى ترتديه بعض الفتيات ويراه منافيا لذوقه، هذا طبعا من حقه، كل منا له قناعاته وثقافته وذوقه، ولكن لا يحق لأحد أن ينوب عن الشعب ويتحدث باسم الذوق العام، هناك رغبة عند البعض من أجل تحقيق شعبية فى الشارع أن يلعب دور المحتسب، الذى يحدد ما هو اللائق ومن المتجاوز، على الفور تلمح صوت استحسان يتردد مؤيدا له محققا جماهيرية باعتباره حاميا للفضيلة.
إنه وجه آخر أو تنويعة مختلفة لاتهامات متعددة تتوجه للنساء والفتيات على اعتبار أنهن السبب فى زيادة معدلات التحرش، لأنهن قررن مجرد السير فى الشوارع، هل الشارع أصبح حكراً على الرجال فقط، أم نحن نعيش فى ظل أفكار «داعشية» مكبوتة ترفض أساسا تواجد النساء إلا فى جهاد النكاح أو نكاح الوداع أو أى نكاح والسلام؟ أيضاً ما تردد وبقوة يتهم هذه المرة الأعمال الفنية بأنها المسؤولة عما نراه من انفلات فى الشارع، والبعض يريد معاملة الفنانين باعتبارهم مجموعة من فاقدى الأهلية، ويحملون شهادة تقتضى معاملتهم معاملة الأطفال، فهم السبب الرئيسى وراء ازدياد معدلات الجريمة بعد تقديمها على الشاشات!!.
الجريمة لن تتوقف حتى لو صادرنا كل الأعمال الفنية، قتل «قابيل» أخاه «هابيل»، هذه أول جريمة عرفها التاريخ لم تنتظر ضوءا أخضر ومؤثرا خارجيا لكى يقتل الأخ أخاه.. دوافع الشر جزء من التركيبة الإنسانية، ولكننا تعودنا مع كل حدث يجرى فى الشارع أن نتوجه بالاتهام للأفلام والمسلسلات والإعلام.. مثلاً عندما اغتصبت فتاة المعادى فى حادث شهير عرفته مصر قبل نحو 30 عاماً قالوا إنها الأفلام العنيفة، ورغم أن السينما لعبت دورا عكسيا لمواجهة تلك الظاهرة، قدمت أربعة أو خمسة أفلام تتعاطف مع الضحية، أشهرها «المغتصبون» إخراج «سعيد مرزوق» وبطولة «ليلى علوى».. الفن لا يمكن أن نطالبه باعتزال التشابك مع الحياة، إنه جزء مهم من المعادلة، قد يلعب دوراً إيجابياً فى التصدى للظاهرة وقد ينحرف لاستثمار الحدث تجارياً، ولكننا لا نُقصيه عن الصورة، مثلاً فيلم «جعلونى مجرماً» إخراج «عاطف سالم» وبطولة «فريد شوقى» هذا الفيلم الذى شارك فى كتابته أديبنا الكبير «نجيب محفوظ»، استند إلى واقعة حقيقية عايشها شقيق «فريد شوقى» بحكم عمله كضابط شرطة مسؤول عن أحد السجون، ونادى الفيلم بإلغاء السابقة الأولى. وهو ما تكرر فى «إحنا التلامذة» لعاطف سالم والشخصية التى أداها «شكرى سرحان» هو فى الحقيقة شقيقه سامى سرحان، الذى شارك فى ارتكاب الجريمة وأمضى بعدها فى السجن 15 عاماً وخرج للحياة، وكان بالمناسبة ممثلا موهوبا. نعم من الممكن أن يلعب الفن دوراً سلبياً فى انتشار ظاهرة ما، لكن لا يمكن أيضاً من أجل ذلك أن نلغى الفن أو نعمل على تحجيمه، بحجة أنه انحرف عن أداء واجبه. إنه نوع من (التلكيك)، هم يريدون ضبط وربط الفن فيقولون لو لم يفعلها محمد رمضان على الشاشة ما رأيناها فى الشارع، رغم أن الشارع فعلها قبل رمضان، إنهم كسالى لا يريدون القيام بواجبهم، يستطيعون فقط منع رمضان وإخوته من تقديم الجريمة على الشاشة، بينما نحن نتابعها على مرأى ومسمع من الجميع فى الشارع.