من هو النجم؟ وما هو (الترمومتر)؟ هل من الممكن فى نهاية الأمر أن نُمسك بمقياس يحدد لنا بالضبط تلك المعضلة، فمن كان نجما فى حقبة زمنية، ربما يمر زمن وبعدها يخبو الوهج، وينطفئ النور فيحل الظلام.

ليس هناك أفضل من النجم العالمى الراحل عمر الشريف ليجيب عن السؤال؟ ومن يعرف «عمر» يُدرك تماما أنه لا يمكن أن يقول سوى ما يقتنع به.. بلا حسابات ولا حساسيات ولا تحفظات سياسية أو اجتماعية، يوما ما سألوه عن النجم الذى تمنى العمل معه منذ أن غادر مصر متجهاً إلى هوليوود قبل 50 عاماً، أجاب إنهما «أحمد زكى» و«عادل إمام». قال فى عشرات اللقاءات إن «أحمد زكى» لو كان يتقن اللغة الإنجليزية لأصبح نجماً عالمياً بلا منازع، أما عادل إمام فقد شاركه بطولة «حسن ومرقص».. لو أننا تحدثنا بالمشاعر والأرقام سوف نقول إن نجم الإبداع الأول فى السينما المصرية هو «أحمد زكى» ونجم الإيرادات الأول هو «عادل إمام».. كل من «أحمد زكى» و«عادل إمام» كان يرى فى الآخر حالة خاصة هو لا يستطيع أن يكونها لكنه يقدرها وأيضا يتمناها بدون أن يُفصح عن ذلك، «أحمد» كان يرنو لكى يصبح نجم الإيرادات الأول فى السينما المصرية، ليس معنى ذلك أنه كان نجماً تخاصمه الإيرادات، هذا لم يكن صحيحاً على الإطلاق، بقدر ما كان «عادل» يرنو لكى يصبح هو نجم المشاعر الأولى وليس معنى ذلك أن مشاعر الناس خاصمته بل على العكس، «أحمد زكى» حقق إيرادات فى أفلامه وشركات الإنتاج ظلت تلاحقه وعندما رحل عن دنيانا 2005 كانت لديه على أقل تقدير ستة أفلام ينتظر منتجوها أن يبدأ تصويرها، فى عدد قليل من الأفلام راهن أحمد زكى فقط على مردود الشباك مثل «مستر كاراتيه» و«استاكوزا» و«أبوالدهب» و«حسن اللول» وغيرها، لكنها لا تتجاوز أصابع اليدين على أكثر تقدير.. إلا أن تاريخ «أحمد زكى» فى صورته الحقيقية هو تاريخ الإبداع فى فن أداء الممثل، أفلامه التى لم تتجاوز 56 فيلماً لو أضفنا لها فيلمه التليفزيونى «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل».. هذه الأفلام أضاءت ليس فقط تاريخ «أحمد زكى» ولكن تاريخنا السينمائى كله، لأن الإبداع الفنى حتى لو لم يحقق فى لحظة عرضه أرقاماً كبيرة فى الشباك، إلا أنه يملك عمراً أطول فى الحياة بل إن الزمن كثيراً ما يضيف إليه أبعاداً أخرى وهكذا أفلام «أحمد زكى» من نوعية «موعد على العشاء»، و«طائر على الطريق»، و«النمر الأسود»، و«الحب فوق هضبة الهرم» و»البرىء»، و«الهروب»، و«اضحك الصورة تطلع حلوة»، و«أرض الخوف»، و«زوجة رجل مهم» وغيرها وغيرها الكثير.. مع «أحمد زكى» تتحير ما الذى تختاره فهو لديه دائماً لمحات لا تنسى، وأدواراً تتنفس وتعيش بيننا لأنه كما كان يقول عن نفسه (أنا مجرد شخبطة على الحيط لا تكتمل إلا أمام الكاميرا).. أتذكر تعبيرا موحيا جداً قاله لى الراحل «عاطف الطيب» عن إبداع «أحمد زكى» الممثل رغم أن «الطيب» تعامل مع كبار النجوم. قال «الطيب» مع كل النجوم الذين قدموا أفلامى كنت أنتظر ذروة فى فن الأداء والتعبير وأحصل عليها دائماً.. لكن مع «أحمد زكى» كنت أتخيل ذروة الأداء ونتفق عليها أنا و«أحمد»، وأمام الكاميرا أفاجأ بأن «أحمد زكى» انطلق إلى مساحة أبعد مما تخيلت.. إضافة «أحمد زكى» للشخصية كانت يملؤها غنى وصدق ومشاعر ودماء وحياة لم أرها سوى مع «أحمد زكى»!!

أما «عادل إمام» فإنه صاحب القمة الرقمية الاستثنائية فى تاريخنا السينمائى.. حالة نادرة بل هى مستحيلة أن تظل على القمة الرقمية طوال 40 عاما،ً رغم أن الزمن تغير ومزاج الناس متقلب والسينما تقدم للشباب وبنجوم شباب فهى من الشباب وإلى الشباب تعود، لكن «عادل» عندما حدث الانقلاب الأبيض الشهير للسينما المصرية عام 1997 وفوجئ بأن «محمد هنيدى» يخطف الزعامة الرقمية من تحت قدميه كانت إيرادات «عادل إمام» تصل إلى السقف الرقمى وقت��ا وهو 7 ملايين جنيه لكن «هنيدى» حقق من خلال فيلمه «إسماعيلية رايح جاى» أكثر من ضعفى هذا الرقم، وبدأ «عادل» فى التساؤل عن الأسباب وكيف يواجه الأزمة التى باتت تهدد كيانه.. لأن الرقم بالنسبة لعادل يعنى الكثير، الأجر الذى يتقاضاه، والذى يقفز من فيلم إلى آخر فهو مرتبط بالشباك كما أن قدرة «عادل إمام» فى السيطرة على كل مفردات الفيلم السينمائى من اختيار الأبطال المشاركين حتى الأدوار المساعدة واختيار الكاتب والمخرج وشروط الدعاية كلها مكاسب أضيفت لعادل إمام وهى مرتبطة بما يحققه فى الشباك وإذا لاحظت شركات الإنتاج أى مقدار من الهبوط على الفور سوف تتقلص هيمنة «عادل إمام» على أفلامه. «عادل» لا يقبل ذلك، وهكذا تغير على القمة الرقمية- بعد الانقلاب الأبيض- ثلاثة من نجوم الكوميديا «محمد هنيدى» 97 19 و«محمد سعد» 2002 و«أحمد حلمى» 2007.. لكن «عادل إمام» وحتى آخر أفلامه «ألزهايمر» 2010 لا يزال يتقاسم القمة الرقمية، فإذا لم يحظ بالمركز الأول فإنه الثانى.. وكان من المفترض أن يقدم (فرقة ناجى عطالله) أيضا فيلما من إنتاج إسعاد يونس، ولكن معوقات إنتاجية أحالته إلى مسلسل، ليصل فى الدراما أيضا إلى القمة الرقمية 45 مليون جنيه.

نعم اختيارات «عادل إمام» دائماً ما تضع شرطاً مبدئياً لا يتنازل عنه وهو القوة الرقمية المنتظرة فى الشباك أو فى كثافة المشاهدة، ولهذا قد تجد فى بعض أفلامه وأيضا مسلسلاته خفوت صوت الإبداع سواء على مستوى الفكر المطروح أو الرؤية الإخراجية لكنه يحسبها تجارياً أولاً، وبعد ذلك تأتى الحسابات الأخرى. «عادل إمام» تجده فى أغلب أفلامه مسيطراً بحضوره الشخصى وأيضاً كصورة ذهنية راسخة عند الجمهور.. «أحمد زكى» يتوارى خلف الشخصية الدرامية، حيث يذوب تماماً فى كل تفاصيلها، «عادل إمام» تراه على سطحها.

نعم قمة الإبداع فى فن الأداء فى هذا الجيل هو «أحمد زكى»، كان ولا يزال، بينما «عادل إمام» هو أهم نجم جماهيرى عرفته مصر محققا انجازا رقميا وسنوات بقاء على القمة من الصعب إن لم يكن من المستحيل تجاوزها، الآن ولا بعد 100 عام.

كانت تلك هى إجابتى عندما سألتنى إحدى الفضائيات عن الفارق بين زكى وإمام!!