فجأة، صارت «أبلة فاهيتا» عنوان الشر والانحطاط فى المجتمع المصرى، كانت قبل لحظات المصدر الأول للبهجة، تجاوزت قفشاتها حدود «المحروسة»، ليصبح لها مردودها العربى.. فى أى رحلة لى خارج حدود الوطن، أرى حضورا طاغيا بين المواطنين فى الشارع لأبلة فاهيتا.
تجاوزت فاهيتا فى كلمة أو ظل كلمة.. هذا حقيقى، ولم تكن الأولى ولن تُصبح قطعاً الأخيرة، يجب ملاحظة أن الإطار الدلالى فى اللغات عموما والعربية تحديدا، كثيرا ما تتسع دائرته ليحيل عددا من الألفاظ التى تبدو بريئة على السطح إلى معان وظلال متجاوزة أخلاقيا وتحديدا جنسيا، أغلب النكات التى نرددها هى تنويعات لفظية لتلك الازدواجية، بالقطع أثارت فى الإعلان وفى غيره غضب قطاع لا يستهان به من الناس، هذه حقيقة، ولكن هل هذا يعنى أن يدخل المجلس الأعلى للإعلام بعصاه الغليظة لتوجيه العقاب، هل يصل الأمر بالمجلس بكل وقاره إلى «أن يعمل عقله بعقل فاهيتا»، مطالبا بمصادرتها من كل الفضائيات؟، الجهة الوحيدة التى تملك من الناحية القانونية مصوغات المصادرة هى الرقابة على المصنفات الفنية، وهى بالمناسبة لها أيضا تحفظها على الإعلان، لأن فاهيتا لم تلتزم بالسيناريو المصرح به، وهو خطأ قانونى يتيح لها فعلا اتخاذ اللازم ضد أى شريط، حتى لو لم يكن هناك تجاوز، فما بالكم لو حدث. لا أزال أرى أن تعدد الجهات الرقابية فى مصر هو أكبر معضلة تواجه المجتمع، لأن العديد منها يتصارع الآن، وكل منها يريد التأكيد على أنه الأشد ضراوة وعنفا فى توجيه العقاب.
أبلة فاهيتا هى آخر ما تبقى لنا من مظاهر السخرية بعد أن ضاقت السبل، حتى فنانو الكاريكاتير صارت أمامهم قائمة من الممنوعات عليهم ألا يقتربوا منها، نعم فاهيتا ليست بعيدة عن الدولة، وهى تدرك أن السقف السياسى لم يعد مواتيا بما فيه الكفاية، لهذا تتحسس الخطوة سياسيا لتلعب فى المساحة الاجتماعية، إلا أنها بين الحين والآخر تتجاوز حدود المسموح.
«فاهيتا» سبق اتهامها بالعمل لحساب الإخوان المسلمين فى إعلان لإحدى شركات المحمول، وكثيرا ما يحللون كلماتها طبقا لرؤية سياسية وأمنية، ومن السهل أن تعثر لو أردت على تلك الظلال التى تتحول فى لحظات إلى حبل مشنقة يطوق عنقها.
«فاهيتا» لم تكن من توابع ثورة 25 يناير، ولكنها من توابع ثورة 30 يونيو، وهى أشهر دمية مصرية فى تاريخنا المعاصر، هذا لو لم نضع تمثال المونولوجست محمود شكوكو فى الحسبان، حيث كان يباع تمثال شكوكو فى الأربعينيات بزجاجة «كاكولا» فارغة، سبق أن شاهدنا دُمى لإبراهيم نصر «زكية زكريا»، وأيضا كريمة مختار «ماما نونة»، ولكن حضور فاهيتا فى الشارع أكبر.
حصلت «فاهيتا» على شهرة عريضة عندما أحالها باسم يوسف إلى فقرة رئيسية فى برنامجه «البرنامج»، وبالطبع مجرد ارتباطها بِاسم بَاسِم كفيل وحده بأن تنهال عليه الاتهامات، إلا أنه مع استقلالها التام عن باسم أثبتت أنها قادرة على الحياة وعلى المشاغبة، حار عدد من المشاهدين الذين لم تكن لديهم دراية مسبقة بعالم الدُمى عمن يقصد باسم «فاهيتا»؟ ويومها غضبت إذاعية شهيرة من أن الاسم قد يوحى بها، فاستضافتها أبلة فاهيتا فى فقرة طويلة لتغلق تماما هذا الباب، اتركوا مساحة للناس لكى تسخر وتضحك فى زمن عزت فيه حتى الابتسامات، عاقبوا فاهيتا كما يحلو لكم، ولكن لا تحيلوا أوراقها للمفتى.
