كان تعارفنا الاول منذ سنوات عديدة، حوالي عشرين سنة، من خلال اصحاب مشتركين. ومنذ اللحظات الأولي في هذا اللقاء حدثت الكيميا اللي مابتحصلش كتير، الكيميا اللي بتحول المعارف الي أصدقاء حقيقيين… واكتسبت صديقة مهمة لها شخصية و طعم بتوعها هي، و مش شبه حد. بل و توطدت الصداقة لدرجة اني كنت من المحظوظين اللي سمحتلهم انهم يدخلوا عليها المِحْراب او الخلوة او المنطقة اللي مابيدخلهاش الا القلة القليلة. كان يوماً خريفياً لطيف – بما ان الخريف هو احب فصول السنة الي قلبي في البلد دي – كان بقالنا فترة ماتقابلناش، و كانت واحشاني. كلمتها :
انا : وحشتيني قوي
هي : و انت كمان
انا : عايز اشوفك، هاتعملي ايه النهارده بالليل ؟
هي : انا عندي ستوديو
انا : طيب انا ممكن أعدي عليكي
هي : بس انا اصلي هاغني النهارده
و لعلمي ان احدا غير مسموح له بحضور هذه اللحظة الا اقل القليلين، و لأَنِّي لا أجرؤ ان احلم ان أكون منهم، بادرتها فوراً
انا : خلاص، خليها يوم تاني
سادت لحظة صمت وقتها دون ان تجيب، وقتاً كانت تفكر فيه لتبلغني بقرارها
هي : طب تعالي لو حابب
شكيت لحظتها فيما سمعته، و لكني بادرتها
انا : طبعاً حابب
هي : خلاص انا هاروح الساعة عشرة، تعالي انت علي اتناشر كده، انا هابقي مبلغاهم في الاستوديو يسمحولك تدخل، بس ماتحسسنيش ان انت جيت .
انا : إنتي بتتكلمي جد ؟
هي : اه طبعاً انت حبيبي و هابقي عايزة اسمع رأيك
و في تمام الثانية عشر كنت امام موظف الاستوديو الذي سمح لي بالدخول الي غرفة الكنترول و هي الغرفة التي توجد بها ماكينات كتيرة و اجهزة ضخمة و كأنها كابينة طيارة…
كانت الغرفة مظلمة و لا يضيئها سوي الاضواء المنبعثة من الميكسر الضخم و الذي يجلس خلفه مهندس الصوت الذي يركز بكل حواسه معها هي حيث كانت تقف امام الميكروفون بغرفة التسجيل الواسعة او البلاي رووم، و كانت الإضاءة حولها خافتة، لم تشعر بقدومي كما طلبت مني لا هي و لا حتي مهندس الصوت الذي جلست خلفه في صمت و هدوء. و بمجرد جلوسي و من اول ما المهندس لعب المزيكا و بدأت هي بالغناء، زال فوراً التوتر الذي كنت اشعر به، و شعرت بجلال اللحظة فوراً، رأيتها و هي معزولة عن كل ما له علاقة بعالمنا الواقعي. و رحمة ابويا كانت لحظة شبه لحظة خشوع في الصلاة التي نادراً ما تحدث، و التي قد لا تحدث ابداً للكثير منا.
رغم ان الكلام ده فات عليه اكتر من اتناشر سنة، و رغم ان لي أصدقاء كتير ليهم علاقة بالمزيكا و الغنا، و متعود علي زيارة الاستوديوهات و حضور تسجيل الاغنيات، بس اليوم ده كان حاجة تانية خالص، لحظة فن و احساس و سمو عمري ماهنساها… اليوم ده كان اول يوم تحسسني فيه اني مش لامس الارض، اني طاير، و اني خارج حدود الزمن. و وجدتني دون ان اشعر ابكي بالدموع، كان هذا هو المعني المجسد الشجن … بس اليوم ده ماكانش اليوم الوحيد اللي قدرت فيه انها تطيرني من علي الارض، و تخطفني في رحلة شجن برة حدود الزمن… الحقيقة اني كل ماحضرها و هي بتغني، بتعرف ببساطة مستخدمة حسها و إحساسها و موهبتها التي حباها الله بهاو في المقابل احترمتها هي و قدرت قيمتها، بتقدر الست أنغام بكل سهولة انها تعمل فيا حاجة في منتهي الصعوبة… بتخليني احمد ربنا علي اني لسة بني آدم، و لسة بأعرف احس.
و النهارده عيد ميلادها… كل سنة و إنتي طيبة يا اسم علي مسمي. و ربنا مابحرمنا من نعمة الإحساس.