ربما تشعر عزيزي القارئ بقدر من التعسف في الربط بين قمتين لم تجمعهما تفاصيل الحياة إلا لماما ،كل في مجاله محمد عبد الوهاب في الموسيقي ومحمد حسنين هيكل في الصحافة صار كل منهما عنوانا للمهنة ، دعوني في البداية اعترف لكم ان هناك بالفعل ولا أنكر قدرا لا بأس به من التعسف ولكن عندما تتسع الدائرة أكثر ربما تكتشف مثلي تلك المنطقة المشتركة التي جمعت بينهما وهكذا تتآكل مساحات التعسف ليبدو الأمر وهو يحمل قدرا لا ينكر من التداعي الحُر ،لا تنسي أن كل منهما تجاوز البقاء على هذه الأرض أكثر من 90 عاما، كل منهما ظل متمسكا بالضوء حتى أخر نفس مع نهم واضح في احتكار مصادر الضوء، كل منهما لم يغادر شاطئ الحياة إلا وهو مبدعا وحتى اللحظة الأخيرة ، هيكل ممسكا بقلمه وعبد الوهاب ممسكا بعوده ، عبد الوهاب قدم لجمهوره لحن ((أسألك الرحيلا )) بصوت نجاة قبل رحيله بأشهر قليلة , وكان يعد لأكثر من لحن قادم ، هيكل كان يطل بانتظام على المشهد السياسي المصري والعربي والعالمي من خلال برنامج (( مصر أين وإلى أين)) مع لميس الحديدي على قناة ((سي بي سي ))،

عبد الوهاب كان محط أنظار الجميع وفي بؤرة الاهتمام الإعلامي والجماهيري ، لا تمر مناسبة بدون أن يدلي برأيه ، وهو ما ظل يمارسه هيكل ، حتى في مرحلة التعتيم كانت إطلالته من قناة (( الجزيرة)) ، كل منهما تستطيع أن تصنفه ارستقراطيا برغم أنهما نشأ في أحياء شعبية هيكل ((الحسين)) وعبد الوهاب((باب الشعرية))، كل منهما حقق أموالا طائلة من مهنته ،كل منهما لديه تلاميذ يعترفون بفضل الأستاذ وعلى الجانب الأخر تلاميذ متخصصون في انتقاده و يصلوا لحدود السخرية من الأستاذ والتقليل من إنجازه، عشرات من الكتاب تشي كتابتهم بذلك واخرهم الكاتبين الصديقين أسامة غريب وأحمد المسلماني على صفحات (( المصري اليوم)) ، بينما عبد الوهاب كثيرا ما طاله أقسى أتهام وهو الجهل لديك مثلا رأي د.جمال سلامة الذي أطلقه وعبد الوهاب على قيد الحياة عندما قال أن ((الريس متقال صاحب أغنية ((الفراولة بتاع الفراولة)) أكثر ثقافة موسيقية من عبد الوهاب )).

رأي عبد الوهاب الإيجابي في أي فنان كان يعني في الوسط الغنائي اعترافا بموهبته ، وهكذا سعى كثيرون من أجل أن يجدوا لأنفسهم مكان على خريطته ليحصلوا على شهادة وهابية ، بل عدد ممن لم يضع لهم ألحانا اخترعوا مواقفا مشتركة تؤكد أنه كان لديهم مكانة عند

الأستاذ، شيء من هذا تجده لدى هيكل ، هناك دائما من يسعى لتأكيد موهبته فيشير إلى أنه حظى بثناء الأستاذ أو التقاه أو كان بينهما مجرد تليفون عابر.

الفارق في الميلاد بينهما حوالي ربع قرن وهكذا غادر عبد الوهاب الحياة قبل هيكل بنفس الفترة الزمنية ، لم تُعرف بينهما صداقة ، بل كان مصطفي وعلى أمين وكامل الشناوي و محمدالتابعي وأنيس منصور ومصطفي محمود، هم الأقرب لعبد الوهاب ، والأسماء كلها ستجدها على خريطة هيكل ، إلا أن للتابعي حضوره الخاص للأثنين ، فهو الأستاذ الأول لهيكل ولهذا أوصي نقابة الصحفيين بتقديم جائزة مقدارها 100 ألف جنيه سنويا تحمل أسم التابعي الذي لا ننسي أفضاله على تطور لغة الكتابة الصحافية ، بينما التابعي برغم اقترابه من عبد الوهاب إلا أنه بين الحين والأخر كثيرا ما تناوله سلبا في العديد من المقالات وأشهرها (( الأسطي والأستاذ)) والتي كان يتهم في سطورها عبد الوهاب الأستاذ بالاستعانة من الباطن بالملحن رؤوف ذهنى وأطلق عليه لقب الأسطى .

ربما الفارق في أن هيكل لم يتهم ابدا بالسرقة الأدبية بينما مثلا كاتب هذه السطور نشر تحقيقا قبل 30 عاما عن سرقات عبد الوهاب الموسيقية عنوانه ((انا والعذاب وعبد الوهاب )) في مجلة مصرية سودانية (( الوادي )) كانت تُصدرها مؤسسة روزاليوسف برئاسة تحرير هبة عنايت ومدير التحرير عادل حمودة وحرصت في التحقيق على أن اذكر بالضبط الوقائع وكيف استفاد عبد الوهاب من عدد من الموسيقيين أمثال محمد الموجي ومحمود الشريف وكمال الطويل ورؤوف ذهني وحتى عازف الأ كورديون مختار السيد الذي كان قد وزع موسيقيا السلام الوطني بلادي بلادي من ألحان سيد درويش ، بينما حرص أنور السادات على أن يستقبل في المطار محمد عبد الوهاب وهو يرتدي زي اللواء بعد عودته من (( كامب ديفيد)) وكان يقود الفرقة الموسيقية العسكرية ، وكانه موزع النشيد ، وهو موقف كما ترى يشبه ملامح السادات الذي كان مولعا بالجانب الشكلي الاحتفالي ولم أتوقف عند تلك الحدود بل ذكرت صراحة أن محمد الموجي لحن لعبد الوهاب أغنيتى(( حبيبي لعبته)) و((أحبك وأنت هاجرني)) ، بينما يذكر رؤوف ذهني أنه لحن له (( قابلته ياريت ما قابلته)) ويؤكد الشاعر مأمون الشناوي واضع كلمات الأغنية أن اللحن لرؤوف ، كما يُظهر رؤوف شيك عليه توقيع عبدالوهاب مقابل أشتراكه في تلحين (( فكروني )) من الباطن لعبد الوهاب ، و 5 ألاف جنيه في نهاية الستينيات كان يعد بمثابة ثروة طائلة ، أساتذة في الموسيقي يعددون سرقات عبد الوهاب من الموسيقي العالمية وهو على الجانب الأخر لا ينفي ذلك ولكنه يعتبر نفسه مثل المتذوق يستفيد من الأدب العالمي لكنه ينفث فيه من روحه الشرقية وغيرها وغيرها ، ، ويمر زمن وأكتشف بحياد حتى مع يقيني بصدق ما يقولوه أن هذه الألحان وغيرها لها طعم وهابي ، ربما كان ما فعله هؤلاء أنهم قدموا مادة خام للأستاذ ولكن المذاق الوهابي طاغ .

لديكم أيضا محمد حسنين هيكل يهاجم بضراوة من كل الأجيال ومن الممكن أن تلمح في كتاباته وأحاديثه جنوح في الخيال ، لتقديم المعلومة في قالب شيق ، ربما ليست بالضبط الحقيقة وهو ما كان يفعله مصطفى أمين إلا أن هيكل كان حريصا على أن يمنح منطق للخيال ، بناء الحكاية عند هيكل يبدو أشد تماسكا .

ويبقى أن هيكل وعبد الوهاب سيظلان مؤثران حتى بعد الرحيل ، عبد الوهاب مثلا صار عيد ميلاده 13 مارس هو موعدا لعيد الفن في مصر بعد عودته في عهد الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور وكان مبارك قد الغاه ، بينما هيكل أطلقت نقابة الصحفيين أسمه على أكبر قاعة ، وأتصور بعد رحيله أن الورثة سيحرصون على أن يخلدون أسمه بجائزة أيضا باسمه هي الأكبر في تاريخ الصحافة المصرية .

لم يسع كل منهما لكي يحظى بلقب أستاذ الأجيال أو موسيقار الأجيال ، ولكن الأجيال على تعاقبها هي التي منحتهما اللقب وعن جدارة ، ومع الزمن لن تتوقف الهجمات التي تحاول النيل منهما ولن تتوقف أيضا مقالات المديح التي تضبط الصورة ، نعم هناك توجه للتقديس يقابله كرد فعل مضاد له في الاتجاه ومساو له في القوة بالتدنيس ، ومع الأسف هذا هو حالنا التطرف والجنوح حتى مع من ساهموا في رسم ملامح الشخصية المصرية موسيقيا وصحفيا!!

(خارج النص)

* هاني شاكر انسحب من رئاسة النقابة خبر متوقع ، أما غير المتوقع فهو ان يستمر سبعة أشهر نقيبا وهو لا يستطيع إدارة النقابة فكانوا يتلاعبون به ، أراد ان يقدم نفسه واجهة للموسيقيين بحكم الخبرة والتاريخ ،ومن الممكن أن ألمح أيضا رضاء الدولة عن تواجد هاني في المقدمة ولكن الرجل بطبعه وطوال تاريخه لا يدخل في صراع ولا يذكر رأيا يغضب أحد ويصف الجميع بأنهم من أحبائه ،تلك الشخصية التي لا تقول رأيا لا تستطيع القيادة ، أحالوا هاني إلى مجرد عسكري شرطة يمسك ((مازورة )) تحدد طول الفستان وفتحة الصدر فأساوا لدور النقابة ، ومن الواضح أنهم اعتقدوا أن تركيبة الدولة المتحفظة تميل إلى ترسيخ تلك الأفكار فتشبثوا بغشومية بهذه الشكليات انهم يتباكون الآن على هاني مؤكدين أنه رمز لا يمس ، (( وعلى الضحكاية على)).

* طارق عبد الجابر مراسلنا القديم في الأرض المحتلة أتذكره مثلما أتذكر أيضا الفلسطيني خميس أبو عافية ولكن خميس كان يبتعد عن المناطق الساخنة في الصراع بين المتظاهرين والجيش الإسرائيلي ،وبينما عبد الجابر دائما تراه في قلب الأحداث يتلقي الضربات ويقدمها للمشاهدين ورأسه مبطوح ينزف دما ، عبد الجابر لم يمتلك في الحقيقة أي مواهب تميزه حيث ان مخارج الألفاظ كثيرا ما تخونه ، انتهي عمره الأفتراضي ويريد العودة لمصر من قناة (( ((الشرق )) الأخوانية ومقرها أسطانبول هل يجد من يشترى ؟

* هشام عبد الحميد في حالة غموض ، هو ليس نجما جماهيريا ولكنه في الحقيقة ممثل موهوب ، في السنوات الأخيرة لم يجد خرم إبرة ينفذ منه للجمهور ، وجد نفسه خارج الدائرة فذهب الى من يطلبه ، الى قناة (( الشرق)) هل نكتفي بصب اللعنات عليه أم نسأل لماذا تركناه هائما على وجهه!!

* ذهاب وزير الثقافة الكاتب الصحفي حلمي النمنم إلى نقابة الصحفيين تضامنا مع كل من تعرضوا للسجن بسبب اتهام ((إزدراء الأديان )) ، دليل قاطع يؤكد أن الصحفي حلمي النمنم لا يزال يسكن الوزير حلمي النمنم!!

* لا أصدق أبدا أن التليفزيون المصري عندما عاقب المذيعة أيتن الموجي لم يتلق إشارة تعبر عن غضب الأزهر ، المشيخة بين الحين والأخر ترسل لمن يهمه الأمر ما يؤكد غضبها، والدولة تطيع الأوامر ،سيد القمني ليس هو الوحيد المغضوب عليه من ازهرنا الشريف ، لديهم قائمة طويلة عريضة.

* تليفزيون الدولة يطبق خطوطه الحمراء و يرفع قائمة سوداء وهذا حقيقي، ولكن هل الفضائيات لا تحكمها أيضا خطوط حمراء وتطبق حرفيا القائمة السوداء ، المشكلة ليست في ((ماسبيرو )) فهو في نهاية الأمر محدود التأثير ولكن عدد من الفضائيات الخاصة صارت أشد ضراوة في ولائها للنظام.

* مرت قبل يومين ذكري رحيل إسماعيل شبانة الشقيق الكبير لعبد الحليم حافظ الذي علمه الغناء بل هو الذي أنقذ حياته بعد ان اعتبروه شؤما بسبب رحيل أمه وهي تنجبه وأبوه بعدها بأسابيع قلائل ، لا أحد يتذكر إسماعيل شبانة ولو استمعت الى اغنياته تكتشف أنه صاحب صوت مكتمل من الناحية النظرية ولكن قلوب الناس التي استقبلت بكل حب عبد الحليم هي نفسها التي أُغلقت أمام إسماعيل ، ستظل (( الكاريزما)) لها سرها وسحرها الغامض!!