كيف يكون الطموح في فيلم سعودي؟ وماهي هي حدود الجرأة المتاحة؟ وما الذي يمكن ان تشاهده من مجتمع محكوم بعادات وتقاليد راسخة وقيود تتجاوز حتي الاحلام؟ لكن الفضول دائما والرغبة في البحث وراء ما هو جديد ومختلف كانت وراء مشاهدة فيلم “بركة يقابل بركة” الذي انتهي تصويره في يناير واختاره مهرجان برلين السينمائي ليعرض في قسم “المنتدي” خلال دورته المقامة حاليا ,ليسجل نفسه أول فيلم سعودي روائي طويل يشارك في هذا المهرجان العريق
الفضول الموجود لدي كان موجود لدي الكثير من ضيوف المهرجان , فقاعة الفيلم ممتلئة عن أخرها حتي أن التذاكر المخصصة للجمهور قد نفذت مبكرا بمجرد فتح باب الحجز , فالكل يبحث عن السينما الجديدة والمختلفة خاصة اذا كانت نابعة من مجتمع لا يسمح فيه بوجود شاشة عرض
العادات والتقاليد الراسخة كانت هدف هذا الفيلم الذي قرر ان يتمرد علي كل هذه العادات ويكسر حاجز الصمت الذي تفرضه المملكة في هذه الأمور , لتجد نفسك أمام شريط سينمائي متمرد وجريء بل هو الاجرأ في مناقشة هذه الأمور حتي الان , واعتقد ان هذا الفيلم الذي تم تصويره في جدة لم يحصل علي أي موافقات رقابية او أي تصاريح خاصة علي السيناريو والا ظل حبيس الادراج ولن يري النور ابدا
الفيلم كوميدي بسيط بدا حركة التمرد بداية من عنوان الفيلم وهو “بركة يقابل بركة” أي وجه رسالة نقد لطريقة أختيار الاسماء في المملكة , فبطل الفيلم بركة “هشام فقيه” يعرف ان أسمه لمؤنث ولكن هناك أسماء يفرضها المجتمع , أيضا البنت التي تجسد دور البطولة “فاطمة البنوي” فهي طوال الفيلم معروفة ب” بي بي” ولكن بعد وقت تكتشف ان اسمها بركة أيضا واضطرت الي العيش باسم مستعار لانها لا تحب هذا الاسم وانه فرض عليها مثل باقي الأمور لانها ما هي الا أسماء تورث منذ الاجداد
الفيلم يحكي كواليس قصة حب بين بركة وبركة كيف تحدث هذه القصة في مجتمع منغلق بهذا الشكل , فكل الأبواب غير متاحة ويجب ان يتم ذلك في خلسة , فكل شيء في ها المجتمع خلسة ..أن تعبر عن رايك , ان تحب , أن تعيش بحرية , أن تختار مصيرك , أن تتزوج بمن تحب , ان تكشف عن فنك , ان تلبس ما تريد ..الخ فكل هذه القيود لم تسفر الا عن مجتمع متناقض يظهر بوجه أمام الناس وبوجه أخر مع نفسه
كل هذه الأمور ناقشها الفيلم وخاض فيها بجرأة ولم يترك شيء الا وتحدث عنه ف”بركة ” الذي يعمل في البلدية ويجد نفسه مرغما علي تنفيذ أوامر غير منطقية , يحب التمثيل والفن ولكن لا يجد من يشاهده حتي انه أضطر لأداء دور أمرأه لانه غير مسموح للفتيات التمثيل علي المسرح ثم في النهاية لم يجد من يشاهده , حتي يتعرف علي “بي بي” الفتاة التي تعيش بحرية كبيرة وتلبس ما تريد مثل ما نشاهده في باقي المجتمعات الاوربية ولكن في نطاق منزلها فقط , ولكنه لم يستطيع ان يتقابل معها ويعمق هذا التعارف لانه غير مسموح فيضطر لخطبتها ولكن أهلها يرفضون وفقا للعادات والتقاليد التي تجبرها ان تتزوج من العائلة من أجل الامتداد والارث وغيرها من الأمور
فلم يجد بركة سوي ان يعيش كل شيء بشكل سري حتي يحقق طموحه الشخصي الذي هو بالطبع لا يتناسب علي كل العادات والتقاليد , وقد تعرض الفيلم لحالة التشدد والتعصب التي تغطي بها المجتمع السعودي الان بعد ان كان أكثر حرية في وقت سابق وذلك من خلال الكشف عن شكل مظاهر الحياة في السعودية من خلال صور حقيقية والمقارنة بينها الان ,فبعد ان كان هناك اهتمام بالموسيقي والسينما وحرية الملبس حتي طبيعة العلاقات بين الأشخاص ولكن تبدلت الأمور تماما فلم يعد هناك دور عرض , واصبح هناك تزمت في متابعة الفنون , واصبح نجوم الشاشة هم المشايخ , حتي الإعلانات أصبحت مغطاة , فكل شيء غير مسموح و لا يجوز حتي اصبح الجيل علي وشك الانفجار
الفيلم يمثل جرس انذار لكل الجهات المعنية , ولغم علي وشك الانفجار في وجه المملكة لان هناك جيل متمرد قادم لن يسمح بان يسير علي عادات وتقاليد اجداده ويريد ان يسير بأحلامه وطموحه الشخصية لانه حقه الشرعي في الحياة , فلا يجب ان يعيش هذا الجيل في منفي عن العالم ولا في ظلام وسط كل هذه الأضواء , فهذه هي الرسالة التي اذا لم ينتبه لها احد ستكون الأمور أكثر تعقيدا كما يطرحها الفيلم
الفيلم هو أول فيلم طويل لمخرجه محمود الصباغ الذي سبق وقدم أفلام وثائقية وشارك في بعض المسلسلات , واكثر ما يميز محمود هو ادارته للممثلين الذين قدموا ادوارهم ببراعة شديدة ومنهم “بركة” وصديقه أيضا الذي يجسد دور المخرج ومن أهل الحارة “الداية” و”دعاش” وحبيبته “بي بي” ووالدتها “جي جي” , وقدم الصباغ إيقاع سينمائي سريع ولقطات تتناسب مع طبيعة السرد الدرامي للحكاية
ولكن السؤال هل من الممكن ان تري هذه التجربة النور في السعودية؟ وكيف سيتم التعامل مع صناع هذا العمل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟