أيهما أجدى للفنان: الاعتراف الرسمى أم الجماهيرى؟ أتصور بلا جدال الثانى.

تأخرت إذاعة الأغانى المصرية على مدى تجاوز 17 عاما حتى تعترف بهذا الجيل، والحقيقة أنهما جيلان وليسا جيلا واحدا، سقطا عمدا ومع سبق الإصرار والترصد من خريطتها، وكأنها تخاصم الدنيا، بحجة أنها فقط أدرى بشعابها، رغم أن فى الفن من المستحيل أن تُمسك بيدك هذا (الترمومتر) وتحدد على وجه الدقة من الحقيقى ومن الزائف، ولهذا سعدت بأن الإعلامية سونيا محمود- التى تولت مسؤولية إذاعة الأغانى قبل عامين- قد نجحت فى إسقاط تلك المقاطعة.

الإذاعة تعتبر نفسها هى حامى حمى الغناء الرصين التى تبدأ من أم كلثوم وتنتهى عند بعض ما تُقدمه أنغام، فهى تسمح بأصوات هانى وعفاف والحلو والحجار ومنير ومدحت، ولكنها كانت تعتبر أن عمرو وفؤاد وراغب ووائل وهشام ونانسى وإليسا وصولا لشيرين وتامر حسنى وغيرهم رجس من عمل الشيطان، والحجة أن المذاق ليس شرقيا.

كثيرا ما كان يدور بينى والإعلامى والشاعر الكبير عمر بطيشة مثل هذه المناقشات عندما كان رئيسا للإذاعة المصرية، هو بحكم تكوينه الثقافى والفكرى ينحاز للغناء الطربى، فهو أيضا من أكثر شعراء الأغنية غزارة فى الكتابة لأصوات توصف بالرصانة، مثل فايزة أحمد ووردة وميادة الحناوى، كان رأيه أن تظل المحطة تدافع عن هذا النوع من الغناء فى ظل هجمة شرسة تنال من موسيقانا الشرقية، خاصة أن على الميمنة والميسرة من محطة الأغانى الرسمية محطات أخرى يملكها القطاع الخاص، على العكس تماما تُقدم فقط وعلى ترددات هندسية أقوى، النوع المتحرر من الغناء لتخاطب الشباب (الروش).

كان، ولايزال، رأيى أن الإذاعة الرسمية هى المظلة التى ينبغى أن ينضوى الجميع تحتها وتمنحهم نفس الدرجة من الدفء، طبعا من المهم أن يُصبح لمحطة الأغانى مذاقها الخاص، أى يظل عنوانها أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد وحليم وليلى مراد ونجاة وشادية وصباح وفيروز وغيرهم، ولكن أيضا لا بأس من أن يقف بين هذه البوتقة الجميلة أصوات تعبر عن كل ألوان الطيف الغنائى.

رغم أننى لا أتصور أن جيل عمرو دياب يعنيه هذا الاعتراف، أدوات التواصل تغيرت والوسائط الحديثة عبر (النت) صارت أكثر تداولا.

أكثر ما تتعرض له الإذاعة من مخاطر أن تقف عاجزة عن مواكبة الزمن، وكذلك أن تستسلم لضغوط من بعض الأصوات التى لا تكف عن الإلحاح حتى تُقدم أغانيها التى أسقطها الزمن، كما تابعت لأول مرة نوعا آخر من الضغوط يمارسه الملحن (الموجى الصغير)، الذى كتب عدة مقالات فى الزميلة (الكواكب)، التى يرأس تحريرها الآن الكاتب والناقد الدؤوب محمد المكاوى، تستشف منها شيئا واحدا أن تلك المحطة تحتفى أكثر ببليغ حمدى على حساب أبيه الموسيقار الكبير محمد الموجى.

الموجى ليس بحاجة للدفاع من أحد، فهو صاحب قامة موسيقية راسخة، ألحانه تحدت الزمن ولا يمكن لأحد إنكار دوره فى تطوير الغناء العربى منذ مطلع الخمسينيات حتى رحيله منتصف التسعينيات.

منظار (الموجى الصغير) بطبعه منحاز لوالده، وفى نفس الوقت متعسف ضد بليغ حمدى، وبالمناسبة لم يكن الموجى وبليغ والطويل لديهم هذه الغيرة السوداء، وبالمناسبة أيضا كانوا سيشيدون بخطوة الإذاعة للاعتراف بجيل عمرو وإخوته، للتذكرة فقط الموجى الكبير لحن لأنوشكا أشهر أغانيها التى توصف بالروشة (تيجى نغنى)، أى أنه اعتبر صوتها نوعا معتبرا من الغناء!!.