هل تخيلت يوماً أن تجد شاشات التليفزيون مغطاة بالسواد ومغلقة فى توقيت الصلاة؟ لو أننا استجبنا لعدد من الاعتراضات التى تنطلق بين الحين والآخر ضد الإعلام لوجدنا أن هذا هو الحل الوحيد الذى يرضيهم.

هذا الأمر بالفعل كثيرا ما كان يطرحه مباشرة، فى السبعينيات والثمانينيات، عدد من المتزمتين دينيا، خاصة مع بداية تقديم فوازير نيللى، والتى رأى فيها بعضهم أنها تحمل دعوة للهو عن صلاتى العشاء والتراويح، ولا تتوافق مع روحانيات شهر رمضان، بالطبع لم تتم الاستجابة لمثل هذه الدعوات، فلم يتجاوز الأمر حدود التراشق الصحفى، إلا أن هذا لا يمنع من أن نجد لها توابع وتنويعات يتم تبادلها بين الحين والآخر، التليفزيون ملكية عامة، لا يجوز حتى إغلاقه تحت يافطة (مغلق للتحسينات)، إنه ليس محل عصير قصب تملك مفتاحه تغلقه أو تفتحه براحتك.

ما الذى يعنيه أن يحقق مسلسل (كفر دلهاب) أعلى معدلات كثافة مشاهدة بين مسلسلات رمضان، ثم يكتب يوسف الشريف، بطل المسلسل، على صفحته محذرا أن تشغلك المسلسلات عن الصلاة ويخص بالذكر مسلسله؟!

هل تقع المسلسلات فى باب الشبهات التى يجب أن نحذر منها ونجتنبها لأنها قد تلهينا عن الواجبات الدينية؟! لقد أضاف بعد التحذير (مش غلط إنك تتابع ولكن الغلط أن تلهيك عن الصلاة)، التليفزيون وفى مختلف القنوات، وعلى مدى 24 ساعة، يقدم عبر الشاشة مادة شيقة وقادرة على زيادة معدلات الجذب، فهل ترتكب معصية؟ رغم أنها تذيع فى نفس الوقت أذان الصلوات الخمس، وهل ما ينطبق على رمضان لا يستحق أن يطبق طوال العام؟

يوسف الشريف عبر تراكم كل هذه السنوات صار نجما رمضانيا تليفزيونيا، ينتظره الملايين كل عام، الشاشة الصغيرة هى موطنه الأصلى، فهو يشكل حالة لا يمكن إنكارها على مستوى معدل النجاح وكثافة المشاهدة، ومن المؤكد أن هذا الحضور الجماهيرى الطاغى يؤكد أن موجته صارت مضبوطة تماما على الناس.

لماذا نضع الفن فى مواجهة الدين؟ ما يفرض نفسه على الذهن مباشرة هو أن هناك من يسعى لتلك المواجهة الحتمية، الفن ينظر إليه البعض كمعادل موضوعى للعبث والمجون، ما الذى من الممكن أن نقوله مثلا عن مسلسلات مثل (غرابيب سوداء) الذى يفضح داعش، أو مسلسل (عمر) الذى يعاد عرضه حاليا عن حياة الفاروق عمر، وهل مثلا مسلسل خيالى مثل (كفر دلهاب) يتعارض مع الأديان؟

بديهى أن الجامع لا يغلق أبوابه لمن يريد أداء واجباته الدينية، فى كل وقت، ما يقلقنى هو المزايدة عبر شبكات التواصل الاجتماعى، ولم تكن المرة الأولى.

فى السنوات الأخيرة كثيرا ما كتب الشريف تحذيرات مماثلة على صفحته، لو كانت هناك معصية يراها يوسف فى مسلسله (كفر دلهاب)، وقبله (القيصر)، فلماذا لا يتوقف هو أولا عن تقديمها درءاً للشبهات؟

هل أصبح إنتاج المسلسل مثل إنتاج شركات السجائر التى تتكسب الملايين من صناعتها ثم تكتب تحذيرا على العلبة بمخاطر التدخين الذى يؤدى للسرطان؟ يوسف يقدم مسلسله بنفس المنطلق التحذيرى، شركات التدخين تعترف بأنها تبيع للناس السموم وتغسل يديها بهذا الإعلان، فهل فى كلمة يوسف الشريف اعتراف مسبق بالذنب، ثم يأتى رمضان القادم ليقدم مسلسلا جديدا يتقاضى عنه الملايين، ثم يعقبه بعدها بالتحذير والتوبة النصوح؟!!