لا يمكن التعامل مع التقرير الذى أصدره المجلس الأعلى للإعلام الذى يرأسه الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد إلا باعتباره محاولة لسد الفراغ الذى تعانى منه الشاشة الصغيرة بسبب غياب البرامج والمسلسلات الفكاهية، فهو يفتح بالفعل النفس على الضحك فى وقت عزت فيه الضحكات، مجموعة من الأساتذة الأفاضل قرروا محاسبة الدراما بمعايير أخلاقية مباشرة، كل منهم يعتقد أنه بحذف هذا المشهد أو تلك الكلمة سيتحول المجتمع المصرى إلى بشر معقمين من الخطأ، ملائكة لا تنقصهم سوى الأجنحة، لا تصدر عنهم العيبة. الدراما والبرامج فى عُرف المجلس الأعلى- هى المذنب الحقيقى الذى صَدّر للمجتمع كل الموبقات من تعاطى مخدرات إلى العنف والدموية وصولا إلى التحرش والاغتصاب.

المجلس بدأ فى مراقبة الأعمال الدرامية وطالب الجمهور المصرى بأن يشاركه اللعبة، وحتى يضمن زيادة الإقبال لجأ لتلك الحيلة، وهى الإغراء المادى، الغلطة الواحدة ثمنها 200 ألف جنيه، ولك 10% لو اكتشفتها. تخيل نفسك تشاهد التليفزيون وتقتطع جزءا به مخالفة. المطلوب أن تصور المقطع وترسله على الفور للمجلس لتحصل على 20 ألف جنيه عدا ونقدا حقك الشرعى، لو تفرغت فقط ليوم واحد، كم من الآلاف ستنهال عليك لتحيلك فى غضون أيام قلائل إلى واحد من الأثرياء، ولكن تمهل قليلا، فأنت لست فى الميدان وحدك، هناك شرط ضرورى وضعه الأستاذ مكرم وهو أسبقية الحجز، يجب أن تكون أنت الأول الذى اكتشف هذا الخطأ وأرسلته للمجلس، انتظر لسه ع الحلو دقة، ربما يعترض أصحاب القناة التليفزيونية مؤكدين أن الكلمة التى اعتبرتها أنت نابية، ما هى إلا كلمة مهذبة، وأنك أخذتها من سياقها على محمل آخر، وسيصبح الفيصل فى هذه الحالة هو المجمع اللغوى، سيخاطبه المجلس ليسترشد برأيه، وفى هذه الحالة وبعد ثبوت أنها نابية من حقك أن تستمتع بالمكافأة.

من الذى يحرك المجلس ويجعله ينحدر بقوة إلى إصدار تلك القرارات العشوائية، التى تقتص كثيرا من هدف المجلس ووقاره؟، كنت أرى، مثلا، أن المجلس يحرص على تهيئة المناخ الصحى للإبداع، وأن يضع السياسات العميقة التى تدفع بالحرية خطوة للأمام، كان الأجدر بالقائمين عليه أن يلعبوا دور الأستاذ الذى يضع السياسات العليا ولا يدخل فى هذه الصغائر التى تتعلق بمشهد لسمية الخشاب وهى «تأخذ حمام»، وآخر لروبى وهى بقميص النوم، أراد المجلس لنفسه أن يلعب وهو فى هذه السن دور عسكرى الشرطة الذى يلاحق الجميع، فهو يحرص على أن تنشر أجهزة الإعلام صورته وهو ممسك بالعصا ليرهب بها المخالفين. كيف يحكم هؤلاء الأساتذة؟ ما هو المعيار؟ هل هم مؤهلون حقا لذلك أم أنهم سيخضعون لا محالة للمرجعية الأخلاقية؟. لا أنكر أن قطاعا وافرا من المجتمع يرى أن هذه الخطوة تأخرت كثيرا وهم يريدون من الدولة أن تعود لممارسة دورها فى الانتقاء والاختيار، لدينا رقابة شاهدت هذه الأعمال ووضعت تصنيفا عمريا يبدأ بالعرض العام وينتهى إلى فوق 18، فلماذا تتعدد الأجهزة الرقابية، العصمة صارت فى يد الأسرة هى التى تختار الملائم لها وفقا للتصنيف العمرى، لقد ولى مع زمن الفضائيات سلاح المنع والإقصاء. بينما المجلس الأعلى ولا هو هنا، فهو يصر على استكمال اللعبة، وسوف يقدم خلال أيام الجزء الثانى من «5 فرفشة»!.